الأربعاء 01 يناير 2025

انا والعجوز

انت في الصفحة 1 من صفحتين

موقع أيام نيوز

قصة قصيرة

                              (النسخة الأخيرة)

أثناء ذهابي لعملي كل صباح أمر بالعم (كرم) جارنا العجوز، جالسا أمام بيته، مرتديا جلبابه الأبيض يعلوه معطف من الصوف الأسود وتعلو رأسه طاقية بنفس اللون، ألقي عليه السلام فيرد بنبرة هادئة ويكملها بالدعاء لي فأواصل سيرى متفائلا بتلك الدعوة التى تتكرر كل صباح.

حدثت نفسى .. ترى لما يستيقظ العجوز فى ذلك الوقت المبكر من النهار مع إنه لا يذهب للعمل .. وماسبب جلوسه بالساعات على نفس الوضعية !
وعند عودتي أجده كما تركته صباحا مع فارق بسيط، دائما ما ټتشاجر معه زوجته ، فيبتسم فى وجهها ويخاطبها بنفس النبرة الهادئة قائلا:
- بأنه يتعجل قدوم النهاية ولكنها لا تأتي.

فترد بالدعاء أن يطيل (الله) عمره ويبارك فى صحته وتنتهي المشاجرة سريعا، لتسأله بعدها اذا ما كان يرغب فى تناول كوب من الشاى، فيهز رأسه وأبتسامة خفيفة تعلو شفتيه، بما يعني موافقته على ماقالت، فتتجه سريعا لداخل البيت لتعود بعد دقائق حاملة كوبين من الشاى وتجلس لجواره لأحتساءه.

نعم يعيشون حياة فقيرة نوعا ما، فالرجل يتقاضى معاش لا يكفى المعيشة ولكن ولده الذى يعمل سائق توكتوك يساهم بمبلغ يومي لتدور عجلة الحياة.

فى ذلك اليوم قررت أن أتاخر قليلا عن العمل وأعرج للجلوس بجوار الرجل لسؤاله عن سبب شروده المتكرر وأعرض عليه مساعدة مالية، فربما ضيق الحال هو ما يزيد همومه، تقدمت نحوه وجلست لجواره على الدرج المتواضع الذى يجلس عليه وبعد الكثير من عبارات الترحيب والسؤال عن الأحوال والصحة، تجرأت وتقدمت بعرضي إليه.

صمت للحظات وهو ينظر للأرض ثم رفع عينيه نحوى وتلك الأبتسامة الهادئة ترتسم على شفتيه ثم تحدث بصوته الهادئ الرخيم قائلا:
- أشكرك بشدة ولكن المال هو أخر ما يمكن أن يتسبب فى إزعاجي.

تعجبت من رده، إذا لم يكن المال هو السبب .. فماذا ياتري؟

لم يمهلني الوقت الكافي للتفكير وواصل حديثه وكأنه قرأ أفكاري وبدأ يخبرني بأننى لم أراه فى شبابه حينما كان وسيم ممتلئ بالحيوية والنشاط، يرتدي أفضل الثياب، يمتلك الكثير من المال، فتاة فى الحي تتمني الأرتباط به، ولكنه تعرض لمحڼة فى منتصف الثلاثينات غيرت نظرته للحياة، بعدما خذله أغلب أصدقائه الذين كان يضعهم فى مكانة الأخوة، فتأثر نفسيا بما رأه منهم، فأصيب بأذمة صحية كبيرة كادت تودي بحياته، حيث ظل لأكثر من عام ملازم للفراش بعدما نصحة الأطباء بأن أقل مجهود قد يعود عليه بمخاطر بالغة.

انت في الصفحة 1 من صفحتين