انا والعجوز
انت في الصفحة 2 من صفحتين
طوال ذلك العام لم يكن يتلقى أى زيارات سواء من أقارب او أصدقاء، شغلتهم أمور حياتهم عن السؤال عنه، بعدما افترض الجميع بأن أيامه فى الدنيا أصبحت معدودة، ولكن إرادة(الله) كان لها رأى أخر، حيث تعافي وزال عنه ما اصابه وكأنه لم يأتيه يوما.
ولكنه خرج من تلك الأزمة شخص مختلف تماما عن ما كانه قبلها، حيث أكتشف أن وجوده او عدمه لم يشكل فرقا مع اصدقائه وأقاربه كما كان يتوهم سابقا، وبالرغم من شهامته ومساندته للجميع إلا إنه لم يحصد ماظل يزرعه طوال الكثير من السنوات، كان يظن إنهم سيهرعون إليه مسرعين ولكن لم يرى منهم سوى كل جفاء ونكران للمعروف ومنذ ذلك الحين قرر أن يصب كل أهتمامه وتقديره لزوجته، الوحيدة التى ساندته بقوة فى أزمته ولم تتخلى عنه كما فعل الجميع.
صمت للحظات أخرج سېجارة وضعها فى فمه وأشعلها وسحب منها نفسا عميقا وأكمل حديثه قائلا:
- شخصياتنا يابني تتشكل بناءا على الكثير من المواقف التى نمر بها .. ولكن دائما هناك موقف ما يحدث فلا تعود الحياة كما كانت قبله مطلقا .. يغير نظرتك لكل شئ .. يجعلك تعيد ترتيب الأشخاص فى حياتك.. وربما تبتعد عن الجميع .. تشعر بصفاء نفسى لم تكن تعلم بوجوده من قبل ولم تتذوق روعته.. تدرك أن نجاتك فى وحدتك لا فى كثرة الوجوة المزيفة التى كنت تملأ بهم حياتك فى السابق .. هل علمت الأن سبب شرودي الدائم ؟
كانت كلماته تحمل الكثير من الفلسفة التى لو ظل يتعلمها من الكتب والجامعات لما توصل إليها، وبالرغم من أن الرجل لم يحصل سوى على الشهادة الأعدادية إلا أن خبراته فاقت الكثيرين.
سألته قائلا:
- وهل يتعرض الجميع لنفس تلك التجربة السيئة التى مررت بها ؟
ألقى السېجارة بجوار قدمية، ورد قائلا:
- بالطبع لا .. فالكل شخص تجربته الخاصة وموقفة المميز.
صمت للحظات فظننت إنه مل من جلوسي معه، هممت أن أودعه وانصرف ولكنه كان الأسبق بالحديث وأشار بعينيه نحو جارتنا (دعاء) القادمة من بعيد مرتديه عباءة سوداء متسخة بشدة وشعرها الأبيض متناثر على جانبي رأسها وتسير حافيه القدمين، وهو يكمل حديثه ويسألني قائلا:
- أتعرف قصتها ؟
أجبته بالنفي، فهز رأسه كأنما كان يتوقع ردي وأكمل يقص لي قصتها، أخبرني بأنها كانت تمتلك جمال يحسدها عليه الجميع بالأضافة للكثير من المال الذى ورثته عن والدها، وتزوجت من الرجل الذى احبته، ولكن لسوء حظها لم ترزق بالأنجاب، حاولت كثيرا ودفعت الكثير من المال وبعد وقت طويل أستسلمت لقدرها، ولكي تكسب رضا زوجها وتضمن إنه لن يتركها لهذا السبب، قامت بعمل توكيل له ليكون المتصرف فى كل ما تملك، وبعد فترة قصيرة اكتشفت إنه متزوج من فتاة تصغرها بعشرين عاما، وعندما واجهته بالأمر لم ينكر واخبرها بأن هذا حق مشروع له، فلم تتحمل المسكينة واصابتها لوسة عقلية كما ترى.
تعجبت بشدة مما قال، بينما واصل هو حديثه قائلا:
- كما أخبرتك من قبل مانتعرض له يختلف من شخص لأخر.. هناك من يستطيع التحمل ويخرج بدرس كلفه حياة كاملة .. وهناك من لا يستطيع تصديق ماحدث له وقد يكون مصيره كتلك المسكينة .. وهناك أخرين قد يودي الدرس بحياتهم.
بعدما أنهى حديثه صمت وطال صمته، فأدركت أن موعد إنتهاء الجلسة قد حان، نهضت وانا اودعه متجها لعملي، وعقلي لا يكف عن التفكير وانا أخاطب نفسى .. تري كيف سيكون الموقف الذى ستتعرض وإلى أى مدى ستكون قوة تحملك.
بقلم محمد نمر